"بسبب المضايقات والتهديد".. أكبر منظمة حقوقية تقرر مغادرة السلفادور
"بسبب المضايقات والتهديد".. أكبر منظمة حقوقية تقرر مغادرة السلفادور
أعلنت منظمة "كريستوسال"، وهي أكبر منظمة حقوقية في السلفادور، الخميس، تعليق نشاطها في البلاد واستعدادها لمغادرة الأراضي السلفادورية، في خطوة وصفتها بأنها اضطرارية بعد تصاعد المضايقات والتهديدات القانونية التي تتعرض لها من قِبل حكومة الرئيس نجيب بوكيلة، الذي يحكم البلاد منذ عام 2019.
واتهمت المنظمة، المعروفة بتوثيقها لانتهاكات حقوق الإنسان، السلطات بممارسة ضغوط ممنهجة ضدها وضد المجتمع المدني ككل، في إطار حملة أوسع تُخنق فيها الأصوات المستقلة، وقالت في بيان رسمي إنها لم تعد تشعر بالأمان لمواصلة العمل داخل البلاد، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وثّقت "كريستوسال" منذ تأسيسها انتهاكات ارتُكبت خلال حملة الرئيس بوكيلة ضد عصابات الجريمة المنظمة، وهي الحملة التي قوبلت بترحيب شعبي كبير لكنها أثارت في المقابل قلقًا متزايدًا لدى المنظمات الحقوقية.
وذكرت تقارير المنظمة أن الحكومة اعتقلت تعسفًا الآلاف من المواطنين، بينهم مئات من المرحّلين من الولايات المتحدة، خاصة من الفنزويليين الذين أعيدوا إلى السلفادور بموجب اتفاق مثير للجدل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكشف المدير التنفيذي للمنظمة، الناشط الحقوقي نوا بولوك، في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"، أن حكومة السلفادور صعّدت ممارساتها القمعية في الأشهر الأخيرة، قائلًا: "أُجبرنا على الاختيار بين السجن أو المنفى.. الاستهداف واضح ومقصود، وهناك حملة ممنهجة دفعت الكثير من النشطاء والمحامين وحتى رجال الأعمال إلى مغادرة البلاد".
تحالفات مثيرة للقلق
عزّز الرئيس بوكيلة سلطته في الداخل بدعم سياسي واقتصادي من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة في ملفات الترحيل والمهاجرين، وهو ما أثار اتهامات دولية له بقبول صفقات تنتهك السيادة وحقوق الإنسان مقابل دعم سياسي.
واتهمت "كريستوسال" إدارة بوكيلة بتقويض مؤسسات الدولة واستقلال القضاء، عبر تقليص حرية التعبير وملاحقة المنظمات الحقوقية والإعلام المستقل.
وعلى الرغم من هذه الاتهامات، حافظ بوكيلة على شعبية واسعة في الداخل، مستفيدًا من تراجع معدل الجرائم، ما يجعل انتقاد ممارساته صعبًا دون اتهام المعارضين بدعم العصابات.
السلفادور بين الأمن والحرية
شهدت السلفادور، أصغر دول أمريكا الوسطى، سنوات من العنف المنظم بفعل انتشار عصابات مثل "مارا سالفاتروتشا" و"باريو 18"، وهي عصابات اتسمت بوحشية شديدة وبسطت نفوذًا على الأحياء والمدن، ما دفع المواطنين إلى تأييد سياسات صارمة ضدها.
لكن في ظل حرب بلا حدود على العصابات، سجّلت منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" عشرات التقارير عن اعتقالات عشوائية، واختفاءات قسرية، وانتهاكات لحقوق السجناء.
واستندت حكومة بوكيلة إلى حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 2022 لتبرير تلك الإجراءات، في حين حذّرت الأمم المتحدة من تداعياتها على مستقبل الديمقراطية في البلاد.
جرس إنذار للمنظومة الحقوقية
امتنعت حكومة السلفادور حتى مساء الخميس عن التعليق على قرار المنظمة، في وقت يتصاعد فيه القلق بشأن مصير منظمات المجتمع المدني المتبقية في البلاد، والقدرة على رصد الانتهاكات دون تعرض العاملين فيها لملاحقات قانونية أو حملات تشويه علنية.
ويأتي خروج "كريستوسال" بمثابة جرس إنذار لمنظومة حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية، التي بدأت تشهد تراجعًا في الحريات وسط تمدد سلطوي واسع، وتكريس لنهج "الأمن أولًا" على حساب القيم الديمقراطية.